القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة البقرة
إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) (البقرة) 

وَقَوْله " إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَات فَنِعِمَّا هِيَ " أَيْ إِنْ أَظْهَرْتُمُوهَا فَنِعْمَ شَيْء هِيَ . وَقَوْله " وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْر لَكُمْ " فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ إِسْرَار الصَّدَقَة أَفْضَل مِنْ إِظْهَارهَا لِأَنَّهُ أَبْعَد عَنْ الرِّيَاء إِلَّا أَنْ يَتَرَتَّب عَلَى الْإِظْهَار مَصْلَحَة رَاجِحَة مِنْ اِقْتِدَاء النَّاس بِهِ فَيَكُون أَفْضَل مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّة وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ وَالْأَصْل أَنَّ الْإِسْرَار أَفْضَل لِهَذِهِ الْآيَة وَلِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَة يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْم لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ : إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اِجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ اِمْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَم شِمَاله مَا تُنْفِق يَمِينه وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب عَنْ سُلَيْمَان بْن أَبِي سُلَيْمَان عَنْ أَنَس بْن مَالِك عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْأَرْض جَعَلَتْ تَمِيد فَخَلَقَ الْجِبَال فَأَلْقَاهَا عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ فَتَعَجَّبَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ خَلْق الْجِبَال فَقَالَتْ : يَا رَبّ هَلْ فِي خَلْقك شَيْء أَشَدّ مِنْ الْجِبَال ؟ قَالَ نَعَمْ الْحَدِيد قَالَتْ : يَا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقك شَيْء أَشَدّ مِنْ الْحَدِيد قَالَ : نَعَمْ النَّار قَالَتْ : يَا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقك شَيْء أَشَدّ مِنْ النَّار ؟ قَالَ : نَعَمْ الْمَاء قَالَتْ : يَا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقك شَيْء أَشَدّ مِنْ الْمَاء ؟ قَالَ : نَعَمْ الرِّيح قَالَتْ : يَا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقك شَيْء أَشَدّ مِنْ الرِّيح ؟ قَالَ : نَعَمْ اِبْن آدَم يَتَصَدَّق بِيَمِينِهِ فَيُخْفِيهَا مِنْ شِمَاله وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي فَضْل آيَة الْكُرْسِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيّ الصَّدَقَة أَفْضَل ؟ قَالَ سِرٌّ إِلَى فَقِير أَوْ جَهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ وَرَوَاهُ أَحْمَد وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن يَزِيد عَنْ الْقَاسِم عَنْ أَبِي أُمَامَة عَنْ أَبِي ذَرّ فَذَكَرَهُ وَزَادَ ثُمَّ شَرَعَ فِي هَذِهِ الْآيَة " إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَات فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْر لَكُمْ" الْآيَة وَفِي الْحَدِيث الْمَرْوِيّ صَدَقَة السِّرّ تُطْفِئ غَضَب الرَّبّ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن زِيَاد الْمُحَارِبِيّ مُؤَدِّب مُحَارِب أَنَا مُوسَى بْن عُمَيْر عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ فِي قَوْله " إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَات فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْر لَكُمْ " قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي أَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَمَّا عُمَر فَجَاءَ بِنِصْفِ مَاله حَتَّى دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا خَلَّفْت وَرَاءَك لِأَهْلِك يَا عُمَر قَالَ : خَلَّفْت لَهُمْ نِصْف مَالِي وَأَمَّا أَبُو بَكْر فَجَاءَ بِمَالِهِ كُلّه يَكَاد أَنْ يُخْفِيه مِنْ نَفْسه حَتَّى دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا خَلَّفْت وَرَاءَك لِأَهْلِك يَا أَبَا بَكْر ؟ فَقَالَ عِدَة اللَّه وَعِدَة رَسُوله فَبَكَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا أَبَا بَكْر وَاَللَّه مَا اِسْتَبَقْنَا إِلَى بَاب خَيْر قَطُّ إِلَّا كُنْت سَابِقًا وَهَذَا الْحَدِيث رُوِيَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ هَاهُنَا لِقَوْلِ الشَّعْبِيّ إِنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إِنَّ الْآيَة عَامَّة فِي أَنَّ إِخْفَاء الصَّدَقَة أَفْضَل سَوَاء كَانَتْ مَفْرُوضَة أَوْ مَنْدُوبَة لَكِنْ رَوَى اِبْن جَرِير مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة قَالَ : جَعَلَ اللَّه صَدَقَة السِّرّ فِي التَّطَوُّع تَفْضُل عَلَانِيَتهَا يُقَال بِسَبْعِينَ ضِعْفًا وَجَعَلَ صَدَقَة الْفَرِيضَة عَلَانِيَتهَا أَفْضَل مِنْ سِرّهَا يُقَال بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا. وَقَوْله " وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ " أَيْ بَدَل الصَّدَقَات وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ سِرًّا يَحْصُل لَكُمْ الْخَيْر فِي رَفْع الدَّرَجَات وَيُكَفِّر عَنْكُمْ السَّيِّئَات وَقَدْ قُرِئَ وَيُكَفِّرْ بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى مَحَلّ جَوَاب الشَّرْط وَهُوَ قَوْله " فَنِعِمَّا هِيَ " كَقَوْلِهِ فَأَصَّدَّق وَأَكُونَ وَأَكُنْ وَقَوْله " وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْء وَسَيَجْزِيكُمْ عَلَيْهِ .
كتب عشوائيه
- التفسير الفقهي في القيروان حتى القرن الخامس الهجريالتفسير الفقهي في القيروان حتى القرن الخامس الهجري: رسالة مختصرة عن نوعٍ من أنواع التفسير في القيروان حتى القرن الخامس الهجري، وقد عرضَ المؤلف - حفظه الله - لوقت نشأة التفسير ومدارسه، وذكر أهم المؤلفات في هذا النوع من التفسير.
المؤلف : فهد بن عبد الرحمن الرومي
الناشر : مكتبة التوبة للنشر والتوزيع
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/364165
- الفقه والاعتبار في فاجعة السيل الجرارالفقه والاعتبار في فاجعة السيل الجرار: فإن من ابتلاء الله تعالى لخلقه ما حدث من سيولٍ عارمةٍ في مدينة جدَّة نتجَ عنها غرقٌ وهلَع، ونقصٌ في الأموال والأنفس والثمرات. إنها فاجعة أربعاء جدة الثامن من ذي الحجة لعام ألف وأربعمائة وثلاثين من الهجرة، والتي أصابَت أكثر من ثُلثي المدينة، وأنتجَت أضرارًا قُدِّرَت بالمليارات. ولذا فإن هذه الورقات تُبيِّن جزءًا من حجم هذه الكارثة وأثرها، وما الواجب علينا تجاهها.
المؤلف : محمد صالح المنجد
الناشر : موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/341878
- اللمع من خطب الجمعاللمع من خطب الجمع: مجموعة من خطب الجمعة التي خطبها المؤلف في مسجد «جامع الأمير متعب» بالملز بالرياض. - وهي عبارة عن ثلاث مجموعات.
المؤلف : عبد الله بن صالح القصير
الناشر : شبكة الألوكة http://www.alukah.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/330467
- أثر العبادات في حياة المسلمأثر العبادات في حياة المسلم: العبادةُ اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهذا هو أحسن ما قيل في تعريف العبادة، وللعبادة أهميةٌ عُظمى؛ وذلك أنَّ الله عز وجل خلق الخَلقَ وأرسل الرسلَ وأنزلَ الكتبَ للأمر بعبادته والنهي عن عبادة غيره، وفي هذه الرسالة تعريف العبادة، وأنواعها، وشروط قبولها.
المؤلف : عبد المحسن بن حمد العباد البدر
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/54658
- كتاب الإيمانكتاب الإيمان: كتابٌ احتوى على: نعت الإيمان في استكماله ودرجاته، والاستثناء في الإيمان، والزيادة في الإيمان والانتقاص منه، وتسمية الإيمان بالقول دون العمل، ومن جعل الإيمان المعرفة بالقلب وان لم يكن عمل، وذكر ما عابت به العلماء من جعل الإيمان قولاً بلا عمل، وما نهوا عنه من مجالستهم، والخروج من الإيمان بالمعاصي، ثم ختم كتابه بذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر بلا خروج من الإيمان.
المؤلف : أبو عبيد القاسم بن سلام
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2127