القرآن الكريم » تفسير القرطبي » سورة الكافرون
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) (الكافرون) 

وَفِي التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَنَس : أَنَّهَا تَعْدِل ثُلُث الْقُرْآن . وَفِي كِتَاب ( الرَّدّ لِأَبِي بَكْر الْأَنْبَارِيّ ) : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن نَاجِيَة قَالَ : حَدَّثَنَا يُوسُف قَالَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيّ وَأَبُو نُعَيْم عَنْ مُوسَى بْن وَرْدَان عَنْ أَنَس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ " قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ " تَعْدِل رُبُع الْقُرْآن ] . وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا عَنْ أَنَس . وَخَرَّجَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفَجْر فِي سَفَر , فَقَرَأَ " قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ " . و " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " , ثُمَّ قَالَ : [ قَرَأْت بِكُمْ ثُلُث الْقُرْآن وَرُبُعه ] . وَرَوَى جُبَيْر بْن مُطْعِم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ أَتُحِبُّ يَا جُبَيْر إِذَا خَرَجْت سَفْرًا أَنْ تَكُون مِنْ أَمْثَل أَصْحَابك هَيْئَة وَأَكْثَرهمْ زَادًا ] ؟ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ : ( فَاقْرَأْ هَذِهِ السُّوَر الْخَمْس مِنْ أَوَّل " قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ " [ الْكَافِرُونَ : 1 ] إِلَى - " قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس " [ النَّاس : 1 ] وَافْتَتِحْ قِرَاءَتك بِبَسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم ) . قَالَ : فَوَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْت غَيْر كَثِير الْمَال , إِذَا سَافَرْت أَكُون أَبَذّهمْ هَيْئَة , وَأَقَلّهمْ زَادًا , فَمُذْ قَرَأْتهنَّ صِرْت مِنْ أَحْسَنهمْ هَيْئَة , وَأَكْثَرهمْ زَادًا , حَتَّى أَرْجِع مِنْ سَفَرِي ذَلِكَ . وَقَالَ فَرْوَة بْن نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ : قَالَ رَجُل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي قَالَ : ( اِقْرَأْ عِنْد مَنَامك " قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ " فَإِنَّهَا بَرَاءَة مِنْ الشِّرْك ) . خَرَّجَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ وَغَيْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَيْسَ فِي الْقُرْآن أَشَدّ غَيْظًا لِإِبْلِيس مِنْهَا ; لِأَنَّهَا تَوْحِيد وَبَرَاءَة مِنْ الشِّرْك . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : كَانَ يُقَال " لِقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ " , و " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " الْمُقَشْقِشَتَانِ ; أَيْ أَنَّهُمَا تُبْرِئَانِ مِنْ النِّفَاق . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : كَمَا يُقَشْقِش الْهِنَاء الْجَرَب فَيُبْرِئهُ . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : يُقَال لِلْقُرْحِ وَالْجُدَرِيّ إِذَا يَبِسَ وَتَقَرَّفَ , وَلِلْجَرَبِ فِي الْإِبِل إِذَا قَفَلَ : قَدْ تَوَسَّفَ جِلْده , وَتَقَشَّرَ جِلْده , وَتَقَشْقَشَ جِلْده .
" قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ " ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ سَبَب نُزُولهَا أَنَّ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , وَالْعَاص بْن وَائِل , وَالْأَسْوَد بْن عَبْد الْمُطَّلِب , وَأُمَيَّة بْن خَلَف ; لَقُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد , هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُد , وَتَعْبُد مَا نَعْبُد , وَنَشْتَرِك نَحْنُ وَأَنْتَ فِي أَمْرنَا كُلّه , فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْت بِهِ خَيْرًا مِمَّا بِأَيْدِينَا , كُنَّا قَدْ شَارَكْنَاك فِيهِ , وَأَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ . وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيْرًا مِمَّا بِيَدِك , كُنْت قَدْ شَرِكْتنَا فِي أَمْرنَا , وَأَخَذْت بِحَظِّك مِنْهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ " .
وَقَالَ أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ اِسْتَلَمْت بَعْض هَذِهِ الْآلِهَة لَصَدَّقْنَاك ; فَنَزَلَ جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ السُّورَة فَيَئِسُوا مِنْهُ , وَآذَوْهُ , وَآذَوْا أَصْحَابه . وَالْأَلِف وَاللَّام تَرْجِع إِلَى مَعْنَى الْمَعْهُود وَإِنْ كَانَتْ لِلْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا كَانَتْ صِفَة لِأَيِّ ; لِأَنَّهَا مُخَاطَبَة لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ سَيَمُوتُ عَلَى كُفْره , فَهِيَ مِنْ الْخُصُوص الَّذِي جَاءَ بِلَفْظِ الْعُمُوم . وَنَحْوه عَنْ الْمَاوَرْدِيّ : نَزَلَتْ جَوَابًا , وَعَنَى بِالْكَافِرِينَ قَوْمًا مُعَيَّنِينَ . لَا جَمِيع الْكَافِرِينَ ; لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ , فَعَبَدَ اللَّه , وَمِنْهُمْ مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى كُفْره . , وَهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا الْقَوْل , وَهُمْ الْمَذْكُورُونَ .
قَالَ أَبُو بَكْر بْن الْأَنْبَارِيّ : وَقَرَأَ مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآن : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا " لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ " وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب , وَذَلِكَ اِفْتِرَاء عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ , وَتَضْعِيف لِمَعْنَى هَذِهِ السُّورَة , وَإِبْطَال مَا قَصَدَهُ اللَّه مِنْ أَنْ يُذِلّ نَبِيّه لِلْمُشْرِكِينَ بِخِطَابِهِ إِيَّاهُمْ بِهَذَا الْخِطَاب الزَّرِيّ , وَإِلْزَامهمْ مَا يَأْنَف مِنْهُ كُلّ ذِي لُبّ وَحِجًا . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَدَّعِيه مِنْ اللَّفْظ الْبَاطِل , قِرَاءَتنَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى , وَتَزِيد تَأْوِيلًا لَيْسَ عِنْدهمْ فِي بَاطِلهمْ وَتَحْرِيفهمْ . فَمَعْنَى قِرَاءَتنَا : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا : يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ; دَلِيل صِحَّة هَذَا : أَنَّ الْعَرَبِيّ إِذَا قَالَ لِمُخَاطِبِهِ قُلْ لِزَيْدٍ أَقْبِلْ إِلَيْنَا , فَمَعْنَاهُ قُلْ لِزَيْدٍ يَا زَيْد أَقْبِلْ إِلَيْنَا . فَقَدْ وَقَعَتْ قِرَاءَتنَا عَلَى كُلّ مَا عِنْدهمْ , وَسَقَطَ مِنْ بَاطِلهمْ أَحْسَن لَفْظ وَأَبْلَغ مَعْنًى ; إِذْ كَانَ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام يَعْتَمِدهُمْ فِي نَادِيهمْ , فَيَقُول لَهُمْ : " يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ " . وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ يَغْضَبُونَ مِنْ أَنْ يُنْسَبُوا إِلَى الْكُفْر , وَيَدْخُلُوا فِي جُمْلَة أَهْله إِلَّا وَهُوَ مَحْرُوس مَمْنُوع مِنْ أَنْ تَنْبَسِط عَلَيْهِ مِنْهُمْ يَد , أَوْ تَقَع بِهِ مِنْ جِهَتهمْ أَذِيَّة . فَمَنْ لَمْ يَقْرَأ " قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ " كَمَا أَنْزَلَهَا اللَّه , أَسْقَطَ آيَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَسَبِيل أَهْل الْإِسْلَام أَلَّا يُسَارِعُوا إِلَى مِثْلهَا , وَلَا يَعْتَمِدُوا نَبِيّهمْ بِاخْتِزَالِ الْفَضَائِل عَنْهُ , الَّتِي مَنَحَهُ اللَّه إِيَّاهَا , وَشَرَّفَهُ بِهَا .
وَأَمَّا وَجْه التَّكْرَار فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ فِي قَطْع أَطْمَاعهمْ ; كَمَا تَقُول : وَاَللَّه لَا أَفْعَل كَذَا , ثُمَّ وَاَللَّه لَا أَفْعَلهُ . قَالَ أَكْثَر أَهْل الْمَعَانِي : نَزَلَ الْقُرْآن بِلِسَانِ الْعَرَب , وَمِنْ مَذَاهِبهمْ التَّكْرَار إِرَادَة التَّأْكِيد وَالْإِفْهَام , كَمَا أَنَّ مِنْ مَذَاهِبهمْ الِاخْتِصَار إِرَادَة التَّخْفِيف وَالْإِيجَاز ; لِأَنَّ خُرُوج الْخَطِيب وَالْمُتَكَلِّم مِنْ شَيْء إِلَى شَيْء أَوْلَى مِنْ اِقْتِصَاره فِي الْمُقَام عَلَى شَيْء وَاحِد ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " [ الرَّحْمَن : 13 ] . " وَيْل يَوْمئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ " [ الْمُطَفِّفِينَ : 10 ] . " كَلَّا سَيَعْلَمُونَ , ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ " [ النَّبَأ : 4 - 5 ] . و " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا " [ الشَّرْح : 5 - 6 ] . كُلّ هَذَا عَلَى التَّأْكِيد . وَقَدْ يَقُول الْقَائِل : إِرْم إِرْم , اِعْجَلْ اِعْجَلْ ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْحَدِيث الصَّحِيح : ( فَلَا آذَن , ثُمَّ لَا آذَن , إِنَّمَا فَاطِمَة بَضْعَة مِنِّي ) . خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَقَالَ الشَّاعِر : هَلَّا سَأَلْت جُمُوع كِنْدَة يَوْم وَلَّوْا أَيْنَ أَيْنَا وَقَالَ آخَر : يَا لَبَكْر أَنْشِرُوا لِي كُلَيْبًا يَا لَبَكْر أَيْنَ أَيْنَ الْفِرَار وَقَالَ آخَر : يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ خَيْر تَمِيم كُلّهَا وَأَكْرَمَهْ وَقَالَ آخَر : يَا أَقْرَع بْن حَابِس يَا أَقْرَع إِنَّك إِنْ يُصْرَع أَخُوك تُصْرَع وَقَالَ آخَر : أَلَا يَا اِسْلَمِي ثُمَّ اِسْلَمِي ثُمَّتَ اِسْلَمِي ثَلَاث تَحِيَّات وَإِنْ لَمْ تَكَلَّم وَمِثْله كَثِير . وَقِيلَ : هَذَا عَلَى مُطَابَقَة قَوْلهمْ : تَعْبُد آلِهَتنَا وَنَعْبُد إِلَهك , ثُمَّ نَعْبُد آلِهَتنَا وَنَعْبُد إِلَهك , ثُمَّ تَعْبُد آلِهَتنَا وَنَعْبُد إِلَهك , فَنَجْرِي عَلَى هَذَا أَبَدًا سَنَة وَسَنَة . فَأُجِيبُوا عَنْ كُلّ مَا قَالُوهُ بِضِدِّهِ ; أَيْ إِنَّ هَذَا لَا يَكُون أَبَدًا
" قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ " ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ سَبَب نُزُولهَا أَنَّ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , وَالْعَاص بْن وَائِل , وَالْأَسْوَد بْن عَبْد الْمُطَّلِب , وَأُمَيَّة بْن خَلَف ; لَقُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد , هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُد , وَتَعْبُد مَا نَعْبُد , وَنَشْتَرِك نَحْنُ وَأَنْتَ فِي أَمْرنَا كُلّه , فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْت بِهِ خَيْرًا مِمَّا بِأَيْدِينَا , كُنَّا قَدْ شَارَكْنَاك فِيهِ , وَأَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ . وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيْرًا مِمَّا بِيَدِك , كُنْت قَدْ شَرِكْتنَا فِي أَمْرنَا , وَأَخَذْت بِحَظِّك مِنْهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ " .
وَقَالَ أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ اِسْتَلَمْت بَعْض هَذِهِ الْآلِهَة لَصَدَّقْنَاك ; فَنَزَلَ جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ السُّورَة فَيَئِسُوا مِنْهُ , وَآذَوْهُ , وَآذَوْا أَصْحَابه . وَالْأَلِف وَاللَّام تَرْجِع إِلَى مَعْنَى الْمَعْهُود وَإِنْ كَانَتْ لِلْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا كَانَتْ صِفَة لِأَيِّ ; لِأَنَّهَا مُخَاطَبَة لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ سَيَمُوتُ عَلَى كُفْره , فَهِيَ مِنْ الْخُصُوص الَّذِي جَاءَ بِلَفْظِ الْعُمُوم . وَنَحْوه عَنْ الْمَاوَرْدِيّ : نَزَلَتْ جَوَابًا , وَعَنَى بِالْكَافِرِينَ قَوْمًا مُعَيَّنِينَ . لَا جَمِيع الْكَافِرِينَ ; لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ , فَعَبَدَ اللَّه , وَمِنْهُمْ مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى كُفْره . , وَهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا الْقَوْل , وَهُمْ الْمَذْكُورُونَ .
قَالَ أَبُو بَكْر بْن الْأَنْبَارِيّ : وَقَرَأَ مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآن : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا " لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ " وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب , وَذَلِكَ اِفْتِرَاء عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ , وَتَضْعِيف لِمَعْنَى هَذِهِ السُّورَة , وَإِبْطَال مَا قَصَدَهُ اللَّه مِنْ أَنْ يُذِلّ نَبِيّه لِلْمُشْرِكِينَ بِخِطَابِهِ إِيَّاهُمْ بِهَذَا الْخِطَاب الزَّرِيّ , وَإِلْزَامهمْ مَا يَأْنَف مِنْهُ كُلّ ذِي لُبّ وَحِجًا . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَدَّعِيه مِنْ اللَّفْظ الْبَاطِل , قِرَاءَتنَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى , وَتَزِيد تَأْوِيلًا لَيْسَ عِنْدهمْ فِي بَاطِلهمْ وَتَحْرِيفهمْ . فَمَعْنَى قِرَاءَتنَا : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا : يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ; دَلِيل صِحَّة هَذَا : أَنَّ الْعَرَبِيّ إِذَا قَالَ لِمُخَاطِبِهِ قُلْ لِزَيْدٍ أَقْبِلْ إِلَيْنَا , فَمَعْنَاهُ قُلْ لِزَيْدٍ يَا زَيْد أَقْبِلْ إِلَيْنَا . فَقَدْ وَقَعَتْ قِرَاءَتنَا عَلَى كُلّ مَا عِنْدهمْ , وَسَقَطَ مِنْ بَاطِلهمْ أَحْسَن لَفْظ وَأَبْلَغ مَعْنًى ; إِذْ كَانَ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام يَعْتَمِدهُمْ فِي نَادِيهمْ , فَيَقُول لَهُمْ : " يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ " . وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ يَغْضَبُونَ مِنْ أَنْ يُنْسَبُوا إِلَى الْكُفْر , وَيَدْخُلُوا فِي جُمْلَة أَهْله إِلَّا وَهُوَ مَحْرُوس مَمْنُوع مِنْ أَنْ تَنْبَسِط عَلَيْهِ مِنْهُمْ يَد , أَوْ تَقَع بِهِ مِنْ جِهَتهمْ أَذِيَّة . فَمَنْ لَمْ يَقْرَأ " قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ " كَمَا أَنْزَلَهَا اللَّه , أَسْقَطَ آيَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَسَبِيل أَهْل الْإِسْلَام أَلَّا يُسَارِعُوا إِلَى مِثْلهَا , وَلَا يَعْتَمِدُوا نَبِيّهمْ بِاخْتِزَالِ الْفَضَائِل عَنْهُ , الَّتِي مَنَحَهُ اللَّه إِيَّاهَا , وَشَرَّفَهُ بِهَا .
وَأَمَّا وَجْه التَّكْرَار فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ فِي قَطْع أَطْمَاعهمْ ; كَمَا تَقُول : وَاَللَّه لَا أَفْعَل كَذَا , ثُمَّ وَاَللَّه لَا أَفْعَلهُ . قَالَ أَكْثَر أَهْل الْمَعَانِي : نَزَلَ الْقُرْآن بِلِسَانِ الْعَرَب , وَمِنْ مَذَاهِبهمْ التَّكْرَار إِرَادَة التَّأْكِيد وَالْإِفْهَام , كَمَا أَنَّ مِنْ مَذَاهِبهمْ الِاخْتِصَار إِرَادَة التَّخْفِيف وَالْإِيجَاز ; لِأَنَّ خُرُوج الْخَطِيب وَالْمُتَكَلِّم مِنْ شَيْء إِلَى شَيْء أَوْلَى مِنْ اِقْتِصَاره فِي الْمُقَام عَلَى شَيْء وَاحِد ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " [ الرَّحْمَن : 13 ] . " وَيْل يَوْمئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ " [ الْمُطَفِّفِينَ : 10 ] . " كَلَّا سَيَعْلَمُونَ , ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ " [ النَّبَأ : 4 - 5 ] . و " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا " [ الشَّرْح : 5 - 6 ] . كُلّ هَذَا عَلَى التَّأْكِيد . وَقَدْ يَقُول الْقَائِل : إِرْم إِرْم , اِعْجَلْ اِعْجَلْ ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْحَدِيث الصَّحِيح : ( فَلَا آذَن , ثُمَّ لَا آذَن , إِنَّمَا فَاطِمَة بَضْعَة مِنِّي ) . خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَقَالَ الشَّاعِر : هَلَّا سَأَلْت جُمُوع كِنْدَة يَوْم وَلَّوْا أَيْنَ أَيْنَا وَقَالَ آخَر : يَا لَبَكْر أَنْشِرُوا لِي كُلَيْبًا يَا لَبَكْر أَيْنَ أَيْنَ الْفِرَار وَقَالَ آخَر : يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ خَيْر تَمِيم كُلّهَا وَأَكْرَمَهْ وَقَالَ آخَر : يَا أَقْرَع بْن حَابِس يَا أَقْرَع إِنَّك إِنْ يُصْرَع أَخُوك تُصْرَع وَقَالَ آخَر : أَلَا يَا اِسْلَمِي ثُمَّ اِسْلَمِي ثُمَّتَ اِسْلَمِي ثَلَاث تَحِيَّات وَإِنْ لَمْ تَكَلَّم وَمِثْله كَثِير . وَقِيلَ : هَذَا عَلَى مُطَابَقَة قَوْلهمْ : تَعْبُد آلِهَتنَا وَنَعْبُد إِلَهك , ثُمَّ نَعْبُد آلِهَتنَا وَنَعْبُد إِلَهك , ثُمَّ تَعْبُد آلِهَتنَا وَنَعْبُد إِلَهك , فَنَجْرِي عَلَى هَذَا أَبَدًا سَنَة وَسَنَة . فَأُجِيبُوا عَنْ كُلّ مَا قَالُوهُ بِضِدِّهِ ; أَيْ إِنَّ هَذَا لَا يَكُون أَبَدًا
كتب عشوائيه
- المسبوك على منحة السلوك في شرح تحفة الملوكقال المؤلف - أثابه الله - « فإن كتاب منحة السلوك في شرح تحفة الملوك للإمام بدر الدين أبي محمد محمود العيني - رحمه الله -، شرح فيه المتن الموسوم بتحفة الملوك لزين الدين أبي بكر الرازي، والذي تسابق إليه طلبة العلم في عصره بالحفظ والمدارسة، وقد اتسم شرحه بحل ألفاظ المتن، وتفصيل مسائله ومقارنتها بالمذاهب الأخرى في كثير من المواضع معلاً ومستدلاً لها بأكثر من ستمائة حديث وأثر. ولأهمية الكتاب جعلت عليه حاشية وافية سميتها المسبوك على منحة السلوك في شرح تحفة الملوك.
المؤلف : عبد المحسن القاسم
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/203877
- التحقيقات المرضية في المباحث الفرضيةالتحقيقات المرضية في المباحث الفرضية : أصل هذا الكتاب كان رسالة تقدم بها المؤلف لنيل درجة التخصص - الماجستير - من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بإشراف فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله -.
المؤلف : صالح بن فوزان الفوزان
الناشر : مكتبة المعارف للنشر والتوزيع بالرياض
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/314801
- تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثيرتيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير: في هذه الصفحة نسخة مصورة pdf من مختصر تفسير ابن كثير للشيخ محمد نسيب الرفاعي، وقد قدم له عدد من أهل العلم، منهم الشيخ ابن باز - رحمه الله -.
المؤلف : محمد نسيب الرفاعي - إسماعيل بن عمر بن كثير
الناشر : مكتبة المعارف للنشر والتوزيع بالرياض
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/340942
- أعمال القلوب [ التفكر ]أعمال القلوب [ التفكر ]: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن التفكُّر مفتاح الأنوار، ومبدأ الإبصار، وأداة العلوم والفهوم، وهو من أعمال القلوب العظيمة؛ بل هو من أفضل العبادات، وأكثر الناس قد عرفوا فضله، ولكن جهِلوا حقيقته وثمرَته، وقليلٌ منهم الذي يتفكَّر ويتدبَّر ... فما التفكُّر؟ وما مجالاته؟ وما ثمرته وفوائده؟ وكيف كان حال سلفنا مع هذه العبادة العظيمة؟ هذا ما سنذكره في هذا الكتيب الحادي عشر ضمن سلسلة أعمال القلوب».
المؤلف : محمد صالح المنجد
الناشر : موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/355754
- الإتحاف في الاعتكافالإتحاف في الاعتكاف: تطرَّق المؤلف في هذه الرسالة إلى كل ما يتعلَّق بالاعتكاف من الأحكام والآداب، والمسائل والشروط والأركان، وذكر ما فيه خلاف من المسائل، وما هو الأرجح بالدليل والتعليل. - قدَّم للكتاب: العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله تعالى -.
المؤلف : عبد الله بن سليمان الشويمان
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/364726